الإثراء بلا سبب


تعريف الاثراء بلا سبب
كل من أثرى على حساب الغير دون سبب قانوني، يلتزم بأن يرد لهذا الغير قدر ما أثرى به في حدود ما لحق الغير من خسارة. بل لعلها من أول مصدر ظهر في فجر التاريخ، وهذا مبلغ حظها من البداهة القانونية، وهي على كل حال مصدر للالتزام، عاصر مصدر العمل غير المشروع، وهذا هو من المصادر الأولى التي عرفها القانون.

الإثراء بلا سبب في التشريعات والفقه الإسلامي
في الفقه الإسلامي لا يعترف بالإثراء بلا سبب مصدرًا من مصادر الالتزام، إلا في حدود هيَّ أضيق بكثير من المدى الذي وصل إليه القانون الروماني والقوانين اللاتينية والجرمانية التي اشتقت منه، وأوسع ما يعترف به الفقه الإسلامي في ذلك هو دفع غير المستحق، والظاهر من نصوص الشريعة الإسلامية أنها تجعلهُ مصدرًا للالتزام.
ومثاله لو أنَّ شخصًا ظن أنَّ عليه دين فبان خلافه، رجع بما أدى. ولا يعترف الفقه الإسلامي بعمل الفضولي مصدرًا من مصادر الالتزام، ويعتبر الفضولي متبرعًا لا يرجع بشيء على رب العمل.
أما بخصوص القانون الإنجليزي إذا كان باب الاثراء بلا سبب ضيقًا في الفقه الإسلامي فهو لا يزيد أتساعًا في القانون الإنجليزي، وفي هذا يتقارب الفقه الإسلامي والقانون الإنجليزي ويبعدان معًا عن القانون الروماني.

التشريعات الجديدة أبرزت قاعدة في الاثراء بلا سبب متميزة بالخصائص التالية:
١-جعلها قاعدة مستقلة قائمة بذاتها، كمصدر من مصادر الالتزام.
٢-صحح الوضع الذي كان مقلوبًا، فجعل الفضالة ودفع غير المستحق تطبيقين لمبدأ الإثراء بلا سبب، فهذا المبدأ هو الأصل وهذان التطبيقان هما اللذان يتفرعان عنه.
٣-حرر مبدأ الاثراء بلا سبب مما كان باقيًا من قيوده التقليدية، فنفى عنه الصفة الاحتياطية ونص على أنَّ الاثراء لا يشترط فيه أنَّ يكون قائمًا وقت رفع الدعوى.

أركان الإثراء بلا سبب:
بالنسبة إلى أركان الاثراء بلا سبب فهي كالآتي لا تنفك إحداها عن الأخرى
١-إثراء المدين.
٢-إفتقار الدائن المترتب على هذا الاثراء.
٣-إنعدام السبب القانوني لهذا الاثراء.

إثراء المدين أول ركن لقاعدة الإثراء بلا سبب هو أن يتحقق إثراء المدين، ذلك أن مصدر الالتزام الذي يترتب في ذمته إنما هو هذا الإثراء، فلا بد من تحققه حتى يقوم الالتزام.
أنواع إثراء المدين: إثراء إيجابي وسلبي ومباشر وغير مباشر ومادي ومعنوي.

افتقار الدائن وعلاقة السببية بالإثراء الركن الثاني لقاعدة الإثراء بلا سبب هو افتقار الدائن افتقارًا ترتب عليه إثراء المدين، فيجب إذن أن يكون هناك افتقار في جانب الدائن، وأن تكون هناك علاقة سببية مباشرة ما بين افتقار الدائن وإثراء المدين.
أنواع افتقار الدائن: لا يتخلف عن الركن الأول فهو افتقار إيجابي وسلبي ومباشر وغير مباشر ومادي ومعنوي.

انعدام السبب: هو تجرد الاثراء عن سبب يبرره حتى تقوم دعوى الاثراء أن يتجرد الإثراء عن سبب يبرره، ذلك أن الاثراء إذا كان له سبب فلا محل لاسترداده وللمثرى أن يحتفظ به مادام أن له سببًا يبرر الحصول عليه.



اختلاف الفقهاء في تحديد معنى السبب:
يرى الأستاذ ريبير في مؤلفه المعروف "القاعدة الأدبية" أنَّ المعنى المقصود من السبب هو المعنى الادبي.
ويرى الأستاذ مورى أنَّهُ هو البديل من الناحية الاقتصادية وهو الحق الأدبي من الناحية الخلقية.

معنى السبب في القانون والتشريعات الجديدة
السبب هو المصدر القانوني المكسب للإثراء، فالسبب إذن له معنى قانوني بحت، فلا يمت لاعتبارات أدبيه كما يقول ريبير ولا لاعتبارات اقتصادية كما يرى مورى، وهذا المعنى هو أن يكون للمثرى حق قانوني في كسب الإثراء الذي حصل عليه، والحق هذا لا يعدو مصدره أن يكون أحد المصدرين اللذين تتولد منهما كل الحقوق: العقد والقانون.
وقد جعل من دعوى الاثراء دعوى اصلية، مؤكدًا بذلك استقلال هذه الدعوى، بعد أن رد إليها اعتبارها، ونفى عنها الصفة الاحتياطية، فرفعها بذلك إلى مرتبة دعوى العقد ودعوى المسؤولية التقصيرية.

أحكام الاثراء بلا سبب:
إذا توافرت الأركان التي قدمناها في قاعدة الاثراء بلا سبب ترتبت أحكام هذه القاعدة، ووجب على المثرى تعويض المفتقر.
أولًا الدعوى وتشمل:
 ١-طرفي الدعوى: وفيه المدعي والمدعى عليه

 ٢-الطلبات والدفوع وفيه: طلبات المدعى، حيث يطلب المدعى تعويضًا عما لحق به من افتقار في حدود ما نال المدعى عليه من إثراء. دفوع المدعى عليه حيث يدفع المثرى دعوى الإثراء بأحد أمرين، أما بإنكار قيام الدعوى ذاتها، فيدعي أنَّ ركنًا من أركانها الثلاثة -الاثراء أو الافتقار أو انعدام السبب- لم يتوافر، وإما أن يقر بأنَّ الأركان قد توافرت ولكن التزامه انقضى بسبب من أسباب انقضاء الالتزام، فيدعي مثلًا أنه وفي المفتقر ما يستحق من تعويض، أو أنه اصطلح معه، أو أنَّ مقاصة وقعت، أو أنَّ المفتقر أبرأ ذمته، أو أن دعوى الإثراء انقضت بالتقادم.

 ٣-الاثبات: عبء الاثبات يقع على الدائن وهو المفتقر، فهو الذي يطلب منه إثبات قيام الالتزام في ذمة المدين وهو المثرى

 ٤-الحكم: لا يختلف الحكم الصادر في دعوى الإثراء عن سائر الأحكام من حيث طرق الطعن فيه، وطرق الطعن العادية هي المعارضة والاستئناف، والطرق غير العادية للطعن هي التماس إعادة النظر والنقض.


٥-الجزاء والتعويض: التعويض هنا هو أقل قيمتي الافتقار والإثراء.


تعليقات

المشاركات الشائعة